- أضواء على
عقائد الشيعة الإمامية - الشيخ جعفر السبحاني ص 357 :
|
|
6 -
البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان للكراجكي
كتب الإمام
الشيخ أبو الفتح محمد بن علي الكراجكي الطرابلسي رسالة
موجزة في عقائد الإمامية وسماها : " البيان عن جمل
اعتقاد أهل الإيمان " ومما جاء فيها : قال : سألت يا
أخي - أسعدك الله بألطافه ، وأيدك بإحسانه وإسعافه -
أن
أثبت لك جملا من اعتقادات الشيعة المؤمنين ، وفصولا في
المذهب يكون عليها بناء المسترشدين ، لتذاكر نفسك بها
، وتجعلها عدة لطالبها ، وأنا أختصر لك القول وأجمله ،
وأقرب الذكر وأسهله وأورده على سنن الفتيا في المقالة
، من غير حجة ولا دلالة ، وما توفيقي إلا بالله :
في
توحيده سبحانه :
اعلم أن الواجب على المكلف : أن يعتقد
حدوث العالم بأسره ، وأنه لم يكن شيئا قبل وجوده ،
ويعتقد أن الله تعالى هو محدث جميعه ، من أجسامه ،
وأعراضه ، إلا أفعال العباد الواقعة منهم ، فإنهم
محدثوها دونه سبحانه .
ويعتقد أن الله قديم وحده ، لا
قديم سواه ، وأنه موجود لم يزل ، وباق لا يزال ، وأنه شئ لا كالأشياء .
لا شبيه الموجودات ، ولا يجوز عليه
ما يجوز على المحدثات ، وأن له صفات يستحقها لنفسه لا
لمعان غيره ، وهي كونه حيا ، عالما ، قديما ، باقيا ،
لا يجوز خروجه عن هذه الصفات إلى ضدها ، يعلم الكائنات
قبل كونها ، ولا يخفى عليه شئ منها .
في عدله سبحانه :
وأن له صفات أفعال ، لا يصح إضافتها إليه في الحقيقة
إلا بعد فعله ، وهي ما وصف به نفسه من أنه خالق ،
ورازق ، ومعط ، وراحم ، ومالك ، ومتكلم ، ونحو ذلك .
وأن له صفات مجازات وهي ما وصف به نفسه ، من أنه يريد
ويكره ، ويرضى ويغضب .
فإرادته لفعل هي الفعل المراد
بعينه ، وإرادته لفعل غيره هي الأمر بذلك الفعل ، وليس
تسميتها بالإرادة حقيقة ، وإنما هو على مجاز اللغة ،
وغضبه هو وجود عقابه ، ورضاه هو وجود ثوابه ، وأنه لا
يفتقر إلى مكان ، ولا يدرك بشئ
من الحواس .
وأنه منزه من القبائح ، لا يظلم الناس وإن
كان قادرا على الظلم ، لأنه عالم بقبحه ، غني عن فعله
، قوله صدق ، ووعده حق ، لا يكلف خلقه على ما لا
يستطاع ، ولا يحرمهم صلاحا لهم فيه الانتفاع ، ولا
يأمر بما لا يريد ، ولا ينهى عما يريد .
وأنه خلق
الخلق لمصلحتهم ، وكلفهم لأجل منازل منفعتهم ، وأزاح
في التكليف عللهم ، وفعل أصلح الأشياء بهم .
وأنه
أقدرهم قبل التكليف ، وأوجد لهم العقل والتمييز .
وأن
القدرة تصلح أن يفعل بها وضده بدلا منه .
وأن الحق
الذي تجب معرفته ، يدرك بشيئين ، وهما العقل والسمع ،
وأن التكليف العقلي لا ينفك عن التكليف السمعي .
وأن
الله تعالى قد أوجد ( للناس ) في كل زمان مسمعا ( لهم
) من أنبيائه وحججه بينه وبين الخلق ، ينبههم على طريق
الاستدلال في العقليات ، ويفقههم على ما لا يعلمونه
إلا به من السمعيات .
وأن جميع حجج الله تعالى محيطون
علما بجميع ما يفتقر إليهم فيه العباد .
وإنهم معصومون
من الخطأ والزلل عصمة اختيار .
وأن الله فضلهم على
خلقه ، وجعلهم خلفاءه القائمين بحقه .
وأنه أظهر على
أيديهم المعجزات ، تصديقا لهم فيما ادعوه من الأنباء
والأخبار .
وأنهم - مع ذلك - بأجمعهم عباد مخلوقون ،
بشر مكلفون يأكلون ويشربون ، ويتناسلون ، ويحيون
بإحيائه ، ويموتون بإماتته ، تجوز عليهم الآلام
المعترضات ، فمنهم من قتل ، ومنهم من مات ، لا يقدرون
على خلق ، ولا رزق ، ولا يعلمون الغيب إلا ما أعلمهم
إله الخلق . وأن أقوالهم صدق ، وجميع ما أتوا به حق .
في النبوة العامة والخاصة :
وأن أفضل الأنبياء أولو
العزم ، وهم خمسة : نوح ، وإبراهيم ، وموسى ،
وعيسى ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله ) وعليهم ، وأن
محمد بن عبد الله ( صلى الله عليه وآله ) أفضل
الأنبياء أجمعين ، وخير الأولين والآخرين .
وأنه خاتم
النبيين ، وأن آباءه من آدم ( عليه السلام ) إلى عبد
الله بن عبد المطلب - رضوان الله عليهم - كانوا جميعا
مؤمنين ، وموحدين لله تعالى عارفين ، وكذلك أبو طالب -
رضوان الله عليه - .
ويعتقد أن الله سبحانه شرف نبينا
( صلى الله عليه وآله ) بباهر الآيات ، وقاهر المعجزات
، فسبح في كفه الحصى ، ونبع من بين أصابعه الماء ،
وغير ذلك مما قد تضمنته الأنباء ، وأجمع على صحته
العلماء ، وأتي بالقرآن المبين ، الذي بهر به السامعين
! وعجز من الإتيان بمثله سائر الملحدين .
وأن القرآن
كلام رب العالمين ، وأنه محدث ليس بقديم .
ويجب أن
يعتقد أن جميع ما فيه من الآيات الذي يتضمن ظاهرها
تشبيه الله تعالى بخلقه ، وأنه يجبرهم على طاعته أو
معصيته ، أو يضل بعضهم عن طريق هدايته ، فإن ذلك كله
لا يجوز حمله على ظاهرها ، وأن له تأويلا يلائم ما
تشهد به العقول مما قدمنا ذكره في صفات الله تعالى ،
وصفات أنبيائه .
فإن عرف المكلف تأويل هذه الآيات فحسن
، وإلا أجزأ أن يعتقد في الجملة أنها متشابهات ، وأن
لها تأويلا ملائما ، يشهد بما تشهد به العقول والآيات
المحكمات ، وفي القرآن المحكم والمتشابه ، والحقيقة
والمجاز ، والناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام .
ويجب
عليه أن يقر بملائكة الله أجمعين ، وأن منهم جبرئيل
وميكائيل ، وأنهما من الملائكة الكرام ، كالأنبياء بين
الأنام ، وأن جبرئيل هو الروح الأمين الذي نزل بالقرآن
على قلب محمد خاتم النبيين ، وهو الذي كان يأتيه
بالوحي من رب العالمين .
ويجب الإقرار بأن شريعة
الإسلام التي أتى بها محمد ( صلى الله عليه وآله )
ناسخة لما خالفها من
شرائع الأنبياء المتقدمين .
وإنه يجب التمسك بها
والعمل بما تضمنته من فرائضها ، وأن ذلك دين الله
الثابت الباقي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، لا
حلال إلا ما أحلت ولا حرام إلا ما حرمت ، ولا فرض إلا
ما فرضت ، ولا عبادة إلا ما أوجبت .
وإن من انصرف عن
الإسلام ، وتمسك بغيره ، كافر ضال ، مخلد في النار ،
ولو بذل من الاجتهاد في العبادة غاية المستطاع .
وإن
من أظهر الإقرار بالشهادتين كان مسلما ، ومن صدق بقلبه
ولم يشك في فرض أتى به محمد ( صلى الله عليه وآله )
كان مؤمنا .
ومن الشرائط الواجبة للإيمان ، العمل
بالفرائض اللازمة ، فكل مؤمن مسلم ، وليس كل مسلم
مؤمنا .
وقوله تعالى : { إِنَّ الدِّينَ
عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ
}
( 1 ) إنما أراد به الإسلام الصحيح التام ، الذي يكون
المسلم فيه عارفا ، مؤمنا ، عالما بالواجبات ، طائعا .
في الإمامة والخلافة : ويجب أن يعتقد أن حجج الله
تعالى بعد رسوله الذين هم خلفاؤه ، وحفظة شرعه ، وأئمة
أمته ، اثنا عشر أهل بيته ، أولهم أخوه وابن عمه ،
وصهره ، بعل فاطمة الزهراء ابنته ، ووصيه على أمته ،
علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، ثم الحسن بن علي
الزكي ، ثم الحسين بن علي الشهيد ، ثم علي بن الحسين
زين العابدين ، ثم محمد بن علي باقر العلوم ، ثم جعفر
بن محمد الصادق ، ثم موسى بن جعفر الكاظم ، ثم علي بن
موسى الرضا ، ثم محمد بن علي التقي ، ثم علي بن محمد المنتجب ، ثم الحسن بن علي الهادي ، ثم الخلف الصالح
بن الحسن المهدي - صلوات الله عليهم أجمعين - .
|
( 1 )
آل عمران : 19 . ( * )
|
|
|
لا إمامة بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلا
لهم ( عليهم السلام ) ولا يجوز الاقتداء في الدين إلا
بهم ، ولا أخذ معالم الدين إلا عنهم . وأنهم في كمال
العلم والعصمة من الآثام نظير الأنبياء ( عليهم السلام
) .
وأنهم أفضل الخلق بعد رسول الله ( صلى الله عليه
وآله ) .
وأن إمامتهم منصوص عليها من قبل الله على
اليقين والبيان .
وأنه سبحانه أظهر على أيديهم الآيات
، وأعلمهم كثيرا من الغائبات ، والأمور المستقبلات ،
ولم يعطهم من ذلك إلا ما قارن وجها يعلمه من اللطف
والصلاح .
وليسوا عارفين بجميع الضمائر والغائبات على
الدوام ، ولا يحيطون بالعلم بكل ما علمه الله تعالى .
والآيات التي تظهر على أيديهم هي فعل الله دونهم ،
أكرمهم بها ، ولا صنع لهم فيها .
وأنهم بشر محدثون ،
وعباد مصنوعون ، لا يخلقون ، ولا يرزقون ، ويأكلون
ويشربون ، وتكون لهم الأزواج ، وتنالهم الآلام
والأعلال ، ويستضامون ، ويخافون فيتقون ، وأن منهم من
قتل ، ومنهم من قبض .
وأن إمام هذا الزمان هو المهدي
ابن الحسن الهادي ، وأنه الحجة على العالمين ، وخاتم
الأئمة الطاهرين ، لا إمامة لأحد بعد إمامته ، ولا
دولة بعد دولته ، وأنه غائب عن رعيته ، غيبة اضطرار
وخوف من أهل الضلال ، وللمعلوم عند الله تعالى في ذلك
الصلاح .
ويجوز أن يعرف نفسه في زمن الغيبة لبعض الناس
، وأن الله عز وجل سيظهره وقت مشيئته ، ويجعل له
الأعوان والأصحاب ، فيمهد الدين به ، ويطهر الأرض
على يديه ، ويهلك أهل الضلال ، ويقيم عمود الإسلام ،
ويصير الدين كله لله .
وأن الله عز وجل يظهر على يديه
عند ظهوره الأعلام ، وتأتيه المعجزات بخرق العادات ،
ويحيي له بعض الأموات ، فإذا قام في الناس المدة
المعلومة عند الله سبحانه قبضه إليه ، ثم لا يمتد بعده
الزمان ، ولا تتصل الأيام حتى تكون شرائط الساعة ،
وإماتة من بقي من الناس ، ثم يكون المعاد بعد ذلك .
ويعتقد أن أفضل الأئمة ( عليهم السلام ) أمير المؤمنين
علي بن أبي طالب ، وأنه لا يجوز أن يسمى بأمير
المؤمنين أحد سواه .
وأن بقية الأئمة - صلوات الله
عليهم - يقال لهم : الأئمة ، والخلفاء ، والأوصياء ،
والحجج ، وإن كانوا في الحقيقة أمراء المؤمنين ، فإنهم
لم يمنعوا من هذا الاسم لأجل معناه ، لأنه حاصل لهم
على الاستحقاق ، وإنما منعوا من لفظه حشمة لأمير
المؤمنين ( عليه السلام ) .
وأن أفضل الأئمة بعد أمير
المؤمنين ، ولده الحسن ، ثم الحسين ، وأفضل الباقين
بعد الحسين ، إمام الزمان المهدي - صلوات الله عليه -
ثم بقية الأئمة بعده على ما جاء به الأثر وثبت في
النظر .
وأن المهدي ( عليه السلام ) هو الذي قال فيه
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : " لو لم يبق من
الدنيا إلا يوم واحد ، لطول الله تعالى ذلك اليوم حتى
يظهر فيه رجل من ولدي يواطئ اسمه اسمي ، يملأها عدلا
وقسطا كما ملئت ظلما وجورا " ( 1 ) .
|
( 1 ) روى هذا الحديث
وأمثاله ابن خلدون في المقدمة في الفصل الثاني والخمسين عن الترمذي
وأبي داود باختلاف بعض ألفاظه ، وروى نحو اثنين وثلاثين حديثا ، وقال
في ص 311 من المقدمة : " إن جماعة من الأئمة خرجوا أحاديث المهدي ،
منهم : الترمذي ، وأبو داود ، والبزار ، وابن ماجة ،
=>
|
|
|
فاسمه يواطئ اسم رسول الله ( صلى الله عليه وآله )
وكنيته تواطئ كنيته ، غير أن النهي قد ورد عن اللفظ ،
فلا يجوز أن يتجاوز في القول أنه المهدي ، والمنتظر ،
والقائم بالحق ، والخلف الصالح ، وإمام الزمان ، وحجة
الله على الخلق . ويجب أن يعتقد أن الله فرض معرفة
الأئمة ( عليهم السلام ) بأجمعهم ، وطاعتهم ،
وموالاتهم ، والاقتداء بهم ، والبراءة من أعدائهم
وظالميهم . . . وأنه لا يتم الإيمان إلا بموالاة
أولياء الله ، ومعاداة أعدائه .
في التوبة والحشر والنشر :
ويعتقد أن الله يزيد وينقص إذا شاء في الأرزاق والآجال
.
وأنه لم يرزق العبد إلا ما كان حلالا طيبا .
ويعتقد أن باب التوبة مفتوح لمن طلبها، وهي الندم على
ما مضى من المعصية ، والعزم على ترك المعاودة إلى
مثلها .
وأن التوبة ماحية لما قبلها من المعصية التي تاب العبد
منها .
وتجوز التوبة من زلة إذا كان التائب منها مقيما على
زلة غيرها لا تشبهها ، ويكون له الأجر على التوبة ،
وعليه وزر ما هو مقيم عليه من الزلة .
وأن الله يقبل التوبة بفضله وكرمه ، وليس ذلك لوجوب
قبولها في العقل قبل الوعد ، وإنما علم بالسمع دون
غيره .
ويجب أن يعتقد أن الله سبحانه ، يميت العباد ويحييهم
بعد الممات ليوم المعاد .
وأن المحاسبة حق والقصاص ، وكذلك الجنة والنار والعقاب
.
|
=>
والحاكم ، والطبراني ، وأبو يعلى الموصلي ، وأسندوها إلى جماعة من
الصحابة مثل علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وطلحة ، وابن مسعود ، وأبي
هريرة ، وأنس ، وأبي سعيد الخدري ، وأم حبيبة ، وأم سلمة ، وثوبان ،
وقرة بن إياس ، وعلي الهلالي " . ( * )
|
|
|
وأن مرتكبي المعاصي من العارفين بالله ورسوله ،
والأئمة الطاهرين ، المعتقدين لتحريمها مع ارتكابها ،
المسوفين التوبة منها ، عصاة فساق ، وأن ذلك لا يسلبهم
اسم الإيمان كما لم يسلبهم اسم الإسلام ( 1 ) .
وأنهم
يستحقون العقاب على معاصيهم ، والثواب على معرفتهم
بالله تعالى ، ورسوله ، والأئمة من بعده ( صلى الله
عليه وآله ) ، وما بعد ذلك من طاعتهم ، وأمرهم مردود
إلى خالقهم ، وإن عفا عنهم فبفضله ورحمته ، وإن عاقبهم
فبعدله وحكمته ، قال الله سبحانه : {
وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ
اللّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ
عَلَيْهِمْ } ( 2 ) وأن
عقوبة هؤلاء العصاة إذا شاءها الله تعالى لا تكون
مؤبدة ، ولها آخر ، يكون بعده دخولهم الجنة ، وليس من
جملة من توجه إليهم الوعيد بالتخليد ، والعفو من الله
تعالى يرجى للعصاة المؤمنين .
وقد غلطت المعتزلة فسمت
من يرجو العفو مرجئا ، وإنما يجب أن يسمى راجيا ، ولا
طريق إلى القطع على العفو ، وإنما هو الرجاء فقط .
ويعتقد أن لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة
من بعده ( عليهم السلام ) شفاعة مقبولة يوم القيامة ،
ترجى للمؤمنين من مرتكبي الآثام .
ولا يجوز أن يقطع
الإنسان على أنه مشفوع فيه على كل حال ، ولا سبيل له
إلى العلم بحقيقة هذه الحال ، وإنما يجب أن يكون
المؤمن واقفا بين الخوف والرجاء .
|
( 1 ) صرح بهذا الشيخ
المفيد - أستاذ الشيخ الكراجكي - في
كتابه أوائل المقالات ( ص 48 ) ونسبه إلى اتفاق
الإمامية ، أما الخوارج فتسمي مرتكب الكبيرة مشركا
وكافرا ، والحسن البصري - أستاذ واصل بن عطاء وعمرو بن
عبيد - سماهم منافقين ، وأما واصل بن عطاء فوضعهم في
منزلة بين منزلتين ، وقال : إنهم فساق ليسوا بمؤمنين ،
ولا كفار ، ولا منافقين .
( 2 ) التوبة : 106 . ( * )
|
|
|
ويعتقد أن المؤمنين الذين مضوا من الدنيا وهم غير
عاصين ، يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجنة بغير حساب .
وأن جميع الكفار والمشركين ، ومن لم تصح له الأصول من
المؤمنين يؤمر بهم يوم القيامة إلى الجحيم بغير حساب ،
وإنما يحاسب من خلط عملا صالحا وآخر سيئا ، وهم
العارفون العصاة .
وأن أنبياء الله تعالى وحججه (
عليهم السلام ) هم في القيامة المسؤولون للحساب بإذن
الله تعالى ، وأن حجة أهل كل زمان يتولى أمر رعيته
الذين كانوا في وقته .
وأن سيدنا رسول الله ( صلى الله
عليه وآله ) والأئمة الاثني عشر من بعده ( عليهم
السلام ) هم أصحاب الأعراف الذين هم لا يدخل الجنة إلا
من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم
وأنكروه .
وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحاسب
أهل وقته وعصره ، وكذلك كل إمام بعده .
وأن المهدي (
عليه السلام ) هو المواقف لأهل زمانه ، والمسائل للذين
في وقته .
وأن الموازين ( التي ) توضع في القيامة ، هي
إقامة العدل في الحساب ، والإنصاف في الحكم والمجازاة
، وليست في الحقيقة موازين بكفات وخيوط كما يظن العوام
.
وأن الصراط المستقيم في الدنيا دين محمد وآل محمد -
عليه وعليهم السلام - وهو في الآخرة طريق الجنان .
وأن
الأطفال والمجانين والبله من الناس ، يتفضل عليهم في
القيامة بأن تكمل عقولهم ، ويدخلون الجنان .
وأن نعيم
أهل الجنة متصل أبدا بغير نفاد ، وأن عذاب المشركين
والكفار متصل في النار بغير نفاد .
ويجب أن تؤخذ معالم
الدين في الغيبة من أدلة العقل ، وكتاب الله عز وجل ،
والأخبار المتواترة عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله
) وعن الأئمة ( عليهم السلام ) ( 1 ) وما أجمعت عليه
الطائفة الإمامية ، وإجماعها حجة . فأما عند ظهور
الإمام ( عليه السلام ) فإنه المفزع عند المشكلات ،
وهو المنبه على العقليات ، والمعرف بالسمعيات ، كما
كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
ولا يجوز استخراج
الأحكام في السمعيات بقياس ولا اجتهاد ( 2 ) .
أما
العقليات فيدخلها القياس والاجتهاد ، ويجب على العاقل
مع هذا كله ألا يقنع بالتقليد في الاعتقاد ، وأن يسلك
طريق التأمل والاعتبار ، ولا يكون نظره لنفسه في دينه
أقل من نظره لنفسه في دنياه ، فإنه في أمور الدنيا
يحتاط ويحترز ، ويفكر ويتأمل ، ويعتبر بذهنه ، ويستدل
بعقله ، فيجب أن يكون في أمر دينه على أضعاف هذه الحال
، فالغرر في أمر الدين أعظم من الغرر في أمر الدنيا .
فيجب أن لا يعتقد في العقليات إلا ما صح عنده حقه ،
ولا يسلم في السمعيات إلا لمن ثبت له صدقه . نسأل الله
حسن التوفيق برحمته ، وألا يحرمنا ثواب المجتهدين في
طاعته .
|
( 1 ) ما ذكره هو رأي
جماعة من علماء الإمامية ، كالشريف المرتضى ، وابن زهرة ، وابن البراج ، والطبرسي ، وابن إدريس وغيرهم ، فقد ذهب
هؤلاء إلى عدم اعتبار الخبر الواحد إذا لم يكن مقطوع
الصدور عن المعصوم ، وخصوا اعتباره بما إذا كان قطعي
الصدور ، سواء أكان محتفا بقرينة عقلية أو نقلية أخرى
، فالمهم لدى هؤلاء في اعتبار الخبر أن يفضي إلى العلم
، ولو كان ذلك لإجماع أو شاهد عقلي ، بل صرح المفيد في
أوائل المقالات بأنه لا يجب العمل بخبر الواحد . أما
المشهور بين الإمامية بل المجمع عليه بين المتأخرين
منهم فاعتبار الخبر الواحد لقيام الدليل على حجيته ،
ولكل من الفريقين أدلة على دعواه مذكورة في كتب الأصول
.
( 2 ) المراد بالاجتهاد هنا ليس هو استنباط الأحكام
الشرعية من أدلتها التفصيلية ، وإنما المراد به
الاعتماد على الرأي والاستحسان والقياس ، من دون
الرجوع إلى القواعد والأصول التي ثبتت حجيتها شرعا . (
* ) |
|
|
قد أثبت لك يا أخي - أيدك الله - ما سألت ، اقتصرت وما
أطلت .
والذي ذكرت أصل لما تركت ، والحمد لله وصلواته
على سيدنا محمد وآله وسلم ( 1 ) .
|
( 1 ) أدرج المصنف
الرسالة في كتابه القيم : كنز الفوائد
فلاحظ ص 240 - 252 . ( * ) |
|
|
|